الخصائص المميزة للتحكيم في منازعات عقود الاستثمار
على الرغم من أن إجراءات التحكيم في
منازعات عقود الاستثمار تتفق بوجه عام مع غيرها من إجراءات التحكيم في مختلف
المنازعات الأخرى، حيث تخضع لنفس القواعد الخاصة ببدء الإجراءات والإخطار بها
وتعيين المحكمين وردهم وإبداء الخصوم لطلباتهم واتخاذ هيئات التحكيم للقرارات
الخاصة بتعيين الخبراء وسماع المرافعات والشهود وتقديم المذكرات وإصدار الأحكام
وتنفيذها. إلا أن التحكيم في منازعات عقود الاستثمار يتسم بخصوصية تميزه عن
التحكيم في سائر المنازعات الأخرى، نتيجة لاختلاف نوعية المشاكل التي يجب على
هيئات التحكيم التصدي لها، والتي تنبع أساساً من حقيقة أن أحد الأطراف هو شخص عام
يتعامل مع شخص خاص وأن موضوع هذه العقود يتمثل في تحقيق التنمية لموارد الدولة
المضيفة، مما يجعل منازعات هذه العقود لا تخلو من خلفية سياسية واقتصادية دولية.
الأمر الذي يترتب عليه أن يكون لأحكام التحكيم الصادرة في هذه المنازعات آثاراً
بعيدة المدى تؤثر على حياة الملايين من البشر.
لذلك فإنه يتعين في تحكيم منازعات عقود
الاستثمار اختيار نوع التحكيم الملائم لخصوصية منازعاتها (أولاً)، وكذلك وجوب
اختيار محكمين يتوافر لهم التكوين الملائم والخبرة الخاصة للتصدي لمثل هذه
المنازعات (ثانياً)، كما يتعين مراعاة السرية في إجراءات التحكيم في هذه العقود
لارتباطها بمصالح الدولة (ثالثاً).
أولاً-
الاختيار بين التحكيم الخاص والتحكيم المؤسسي:
يعتبر التحكيم وسيلة خاصة لحسم المنازعات
تعتمد على اتفاق الأطراف. وأمام هذا الطابع التعاقدي للتحكيم، فإنه يمكن للأطراف
عند الموافقة على اللجوء إليه لتسوية منازعاتهم الاتفاق على أن يستقلوا في إدارة
العملية التحكيمية وهو ما يطلق عليه (التحكيم الخاص)، أو الإشارة إلى إحدى
المؤسسات التحكيمية الدائمة لتتولى إدارة هذه العملية وهو ما يطلق عليه (التحكيم
المؤسسي).
وأمام الطبيعة الخاصة لمنازعات عقود
الاستثمار، فإن التساؤل يثور عما إذا كان من الأجدى اللجوء في تسوية هذه
المنازعات إلى التحكيم الخاص أم التحكيم المؤسسي؟
ولقد رأينا أن الإجابة على هذا التساؤل
تفرض أن نعرض لماهية كل من التحكيم الخاص والتحكيم المؤسسي (أ)، قبل أن نبين
أكثرهما ملاءمة لتسوية منازعات عقود الاستثمار (ب).
أ-
ماهية التحكيم الخاص والتحكيم المؤسسي:
أحاول فيما يلي تحديد المقصود بكل من
التحكيم الخاص والتحكيم المؤسسي:
1-
التحكيم الخاص Ad Hoc Arbitration:
التحكيم الخاص([1])
أو تحكيم الحالات الخاصة([2])
أو التحكيم الحر([3])
أو التحكيم الذاتي([4]) هو
الذي يتولى الأطراف صياغته بمناسبة نزاعهم، خارج إطار أية مؤسسة أو مركز من مراكز
التحكيم([5]).
حيث يتولى الخصوم إقامته بمناسبة نزاع معين للفصل فيه، فيقومون بتشكيل هيئة
التحكيم، وتحديد القواعد والإجراءات الخاصة بهم، أو الإحالة إلى قواعد تحكيم توضع
لأجل هذا الغرض كما هو الأمر في شأن قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة للقانون
التجاري الدولي لعام 1976([6]).
وبعبارة أخرى فإن التحكيم الخاص هو تحكيم
أُعد لحالة خاصة بعينها، سواء من حيث تشكيل هيئة التحكيم التي تتولاه أو من حيث
القواعد والإجراءات التي تطبق عليه، وهو ما حدا بالبعض إلى أن يصف هذا التحكيم
بأنه: " نفذ التحكيم بنفسك "([7])،
لذلك فهو يحتاج ممن يختاره من الأطراف عناية كبيرة في تحديد كافة القواعد التي تنظمه
في كافة مراحله([8]).
ويتميز التحكيم الخاص بأنه يغلب أن يكون
أقل تكلفة، وأكثر مرونة وسرعة([9])،
ويسود اللجوء إليه في بعض المنازعات، كما هو الحال في المنازعات البحرية الدولية
ومنازعات إعادة التأمين([10]).
ويمكن أن نشير كمثال على اللجوء إلى
التحكيم الخاص في اتفاقات تحكيم منازعات عقود الاستثمار، إلى ما ورد في العقد
المبرم بتاريخ 18/11/1994 بين الحكومة اللبنانية وبعض الشركات الفرنسية الخاصة من
أجل تنفيذ ما يسمى الاوتوستراد العربي من أن فض الخلافات الناشئة عن هذه الاتفاقية
يكون خاضعاً للتحكيم وفقاً لدفتر الشروط وملاحقه، مع تطبيق أحكام نظام لجنة الأمم
المتحدة للقانون التجاري الدولي (يونسترال)، على أن يحصل التحكيم في بيروت باللغة
الفرنسية، وعلى أن يطبق القانون اللبناني في أساس الموضوع([11]).
وكذلك ما ورد في المادة 34 من الصيغة
النموذجية لاتفاقية امتياز أبو ظبي حيث تنص على أنه: " أ- إذا ظهر أي شك أو
خلاف أو نزاع في أي وقت بين الأطراف فيما يتعلق بتفسير أو تنفيذ أي بند منصوص عليه
في العقد، أو فيما يتعلق بحقوق والتزامات أي طرف، وفشل الأطراف في تسوية ذلك
النزاع أو الخلاف بأية طريقة أخرى، فإنه يلزم إحالة الأمر إلى محكمين يعين كل طرف
محكماً عنه، ثم يقوم المحكمان باختيار محكم ثالث للفصل في النزاع في خلال ستين
يوماً من تاريخ طلب أحد الطرفين كتابة.
ب-
يلتزم كل طرف بترشيح محكمه في خلال ستين يوماً من تاريخ تقديم الطرف الآخر طلب
التحكيم، فإذا فشل أحد الطرفين في تسمية محكمه يتولى رئيس محكمة العدل الدولية
تسميته بناءً على طلب الطرف الآخر. وإذا فشل المحكمان في الاتفاق على المحكم
الثالث فيتولى رئيس محكمة العدل الدولية تسميته استجابة لطلب المحكمين أو لطلب
أحدهما.
ج-
القرار من المحكمين أو الاختلاف في الرأي بينهما بشأن المحكم الثالث يعتبر نهائياً
وملزماً لكلا الطرفين.
د-
يجب أن يحدد القرار مدة زمنية كافية تمكن الطرف الذي صدر القرار ضده من تنفيذه،
فإذا فشل هذا الطرف في تنفيذ القرار قبل انتهاء تلك المدة فإنه يصبح متخلفاً عن
الأداء.
ه-
يكون مكان التحكيم أبو ظبي أو أي مكان آخر يحدده المحكم.
و-
يلزم أن يحدد المحكم إجراءات التحكيم وذلك بالاستناد إلى القواعد الإجرائية ذات
الصلة في المواد من 32 إلى 69 شاملة قواعد محكمة العدل الدولية الصادرة في 6 مايو
1946.
ز-
تتمتع هذه الاتفاقية بقوة القانون ويلزم تفسيرها وتطبيقها بما يتفق مع المبادىء
العامة المعترف بها في الدول المتمدينة بما في ذلك المبادىء القانونية التي طبقتها
المحاكم الدولية "([12]).
2-
التحكيم المؤسسي Institutional Arbitration:
التحكيم المؤسسي([13])
أو تحكيم هيئات التحكيم الدائمة([14])
أو التحكيم النظامي([15])
هو أن يختار الأطراف إدارة إجراءات التحكيم وفقاً لقواعد مؤسسة تحكيمية معينة
وبمساعدتها([16]).
ويرى البعض بأننا سوف نكون أمام تحكيم مؤسسي " ... متى جرى في ظل منظمة لم
تكتف بوضع لائحتها وقواعدها التنظيمية أو وضع دورها ومكاتبها وخدماتها الإدارية
تحت تصرف أطراف النزاع بل احتفظت لنفسها باختصاص معين في تطبيق لائحتها المذكورة،
ولا يهم حينئذ كون المنظمة تتناول مهمة نظر النزاع والفصل فيه "([17]).
ويجب على الأطراف الاتفاق صراحة على
المؤسسة التحكيمية التي سيتم اللجوء إليها، ويكون ذلك غالباً في شرط التحكيم
الوارد في العقد المبرم بينهما أو في مشارطة التحكيم التي يوقعها الأطراف بشكل
مستقل عن العقد.
وقد ازداد عدد مؤسسات التحكيم الدائمة،
بعد أن أصبح التحكيم من أكثر الوسائل قبولاً في حسم منازعات التجارة الدولية
والاستثمار([18]).
ومن أهمها يمكن أن نشير إلى محكمة التحكيم الدائمة التابعة لغرفة التجارة الدولية
بباريس ICC([19])،
والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في واشنطن ICSID([20])،
والمركز الدولي لحسم المنازعات التابع لجمعية التحكيم الأمريكي AAA([21])،
ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي CRCICA([22]).
وتجدر الإشارة إلى أن بعض مؤسسات
التحكيم الدائمة قد تنشأ للاختصاص بنوع معين من المنازعات دون غيرها، مثل المركز
الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار، وكذلك مركز التحكيم والوساطة التابع
للمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO ([23])،
وأيضاً مركز الإسكندرية للتحكيم البحري الدولي([24]).
ومن أمثلة اتفاقات تحكيم منازعات عقود
الاستثمار التي تحيل إلى التحكيم المؤسسي، ما نص عليه اتفاق التحكيم الوارد في
المادة 21 من عقد امتياز البحث عن البترول المبرم سنة 1987 بين الشركة الألمانية Deutsch-
Schactbau- und- Tiefbohrgesellschaft وشركة رأس الخيمة الوطنية للبترول " Rakoil
" من أن: " جميع المنازعات التي تنشأ بخصوص تفسير هذه الاتفاقية أو
تطبيقها ستتم تسويتها بموجب قواعد التوفيق والتحكيم لغرفة التجارة الدولية وذلك من
قبل ثلاثة محكمين يعينون بموجب هذه القواعد "([25]).
وكذلك ما ورد في البند الثاني عشر من
العقد المبرم بين الحكومة المصرية والشركة الأسبانية المصرية للغاز سيجاس سنة 2001
لإنشاء وتشغيل وإعادة تسليم رصيف بحري بترولي متخصص في ميناء دمياط بنظام B.O.T
من أن: " المنازعات الناشئة عن هذا الترخيص تتم تسويتها طبقاً لقواعد التحكيم
المعمول بها في مركز القاهرة للتحكيم التجاري الدولي بالقاهرة ويعتبر قرار
المحكمين ملزماً ونهائياً للطرفين ويتم التحكيم باللغة الإنجليزية وتنطبق أحكام
القانون المصري ويكون عدد المحكمين ثلاثة يعين كل طرف محكماً عنه وإذا لم يقم
المدعى عليه بإخطار المدعى كتابة باسم المحكم الذي عليه خلال ثلاثين يوماً من
استلام إخطار المدعى كتابة فيقوم المركز بناءً على طلب المدعى بتعيين المحكم
الثاني "([26]).
ب-
المفاضلة بين التحكيم الخاص والتحكيم المؤسسي بشأن منازعات عقود الاستثمار:
الواقع أنه على الأقل حتى أواخر السبعينيات
من القرن الماضي، كان الأغلب الأعم من اتفاقات تحكيم منازعات عقود الاستثمار يعكس
اختيار الطرفين للتحكيم الخاص، والذي كان يمثل الصورة المعروفة أصلاً للتحكيم.
ومن أمثلة منازعات عقود الاستثمار
الشهيرة التي تم فيها إحالة النزاع إلى التحكيم الخاص، يمكن أن نشير إلى قضية حاكم
قطر([27])
وقضية شيخ أبو ظبي([28])
وقضية Aramco([29])
وقضية Sapphire([30])
وقضية Texaco([31])
وقضية Liamco([32])
وقضية Aminoil([33])
وقضية Wintershall([34])
.
وكثيراً ما تضمنت هذه الاتفاقات شروطاً
تحكيمية غير سليمة، فسببت من المشاكل أكثر من رسمها لطريق ميسر لحسم المنازعة([35]).
حيث يصعب التنبؤ بالمشكلات، مما قد يؤدي إلى عدم القدرة على حسم المشكلات التي لا
يغطيها اتفاق التحكيم الخاص، فضلاً عن احتمال أن تطرأ مسائل لا يغطيها القانون
المحلي، وكذلك وجود صعوبات في تنفيذ حكم التحكيم.
وفي أواخر السبعينيات وخلال الثمانينيات
من القرن الماضي، وأمام التطورات الكبيرة في عمليات التجارة الدولية والاستثمار
وزيادة وتنوع المنازعات التي تثيرها، فقد اتجهت العديد من المؤسسات التحكيمية
الدائمة إلى تطوير قواعدها حتى تتمكن من مواكبة هذه التطورات([36])
.
لذلك كان من الطبيعي أن يتغير المسار
الذي كانت تتبعه أغلب اتفاقات تحكيم منازعات عقود الاستثمار، حيث زادت نسبة اللجوء
إلى التحكيم المؤسسي لما يحققه من مزايا للعملية التحكيمية، والتي تجعله الأكفأ في
إدارة تحكيمات المنازعات الكبيرة القيمة وذات الطبيعة الفنية المعقدة، وتتمثل
تلك المزايا فيما يلي:
- إن مؤسسات التحكيم الدائمة لديها قوائم بأسماء المحكمين
المتخصصين في مختلف أنواع المنازعات يستطيع المحتكمون اختيار محكميهم منهم. وهذا
ما يجنبهم مشقة البحث عن المحكم المناسب خاصة إذا ما تعلق الأمر بمسائل فنية يحتاج
فهمها إلى خبرة خاصة لا تتوفر على نطاق واسع.
-
إن التحكيم المؤسسي يضمن الالتجاء إلى مجموعة من القواعد المعدة سلفاً والمختبرة
من قبل.
-
إن التحكيم المؤسسي يضمن صلاحيات مناسبة للمحكمين تعينهم على ممارسة اختصاصاتهم،
ومن أبرز القواعد التي حفلت بها المؤسسات التحكيمية الحديثة مبدأ الاختصاص
بالاختصاص الذي يتيح لهيئة التحكيم الفصل في الدفوع الخاصة باختصاصها ومبدأ
استقلال شرط التحكيم عن باقي شروط العقد([37]).
-
إن التحكيم المؤسسي يعتبر الأكثر تلبية للتوقعات المشروعة للأطراف في ظل استقرار
سوابق التحكيم الصادرة تحت رعاية المؤسسة على مبادىء عامة معروفة مسبقاً.
- إن المؤسسات التحكيمية الدائمة توفر المساعدة
التي قد يحتاجها من صدر حكم التحكيم لصالحه في تنفيذه.
ثانياُ-
العوامل التي يجب الاعتداد بها في اختيار المحكمين في منازعات عقود الاستثمار:
تتسم منازعات عقود الاستثمار بخصوصية
معينة ناجمة عن الطبيعة الخاصة لأطراف هذه العقود الدولية والعملية محل هذا العقد،
إذ تثير هذه العقود خليطاً من المشاكل المعقدة والمركبة، حيث يختلط فيها بشكل كبير
عدد من المشاكل القانونية الخاصة والمتعددة الأوجه والتي لا نلحظها في غيرها من
العقود، بالإضافة إلى ما تثيره هذه العقود من مشاكل فنية بالغة التعقيد ومختلفة
التخصص، لذلك فإن المؤهلات المتطلبة في المحكم الذي يفصل منازعات هذا النوع من
العقود يجب أن تتلاءم مع هذه الخصوصية.
فقد تتعلق هذه المشاكل بأحكام القانون
الدولي العام، كما لو كانت المنازعة تتعلق بمسئولية الدولة عن تأميم المشروع
الاستثماري والتعويض عنه. كما قد تتعلق بأحكام القانون العام، كما لو كانت المنازعة
تتعلق بطلب إعادة شروط العقد إلى التوازن في الحالات الطارئة التي تخل بالتوازن
بين التزامات المتعاقدين أو بتجميد بعض القوانين التي يؤثر تعديلها على الاستثمار.
وقد تتعلق بأحكام القانون الدولي الخاص، لكون هذه العقود دولية بطبيعتها. كما قد
تتعلق المنازعة في مشكلة من مشاكل البيئة في جانب منها، أو فيما يتعلق بنقل
تكنولوجيا متقدمة. لذلك يجب أن تضم هيئة التحكيم محام أو رجل قانون على دراية
بأحكام القانون الدولي العام أو القانون الدولي الخاص أو القانون العام أو أحكام
قوانين البيئة أو أحكام العقود الخاصة بنقل التكنولوجيا حسب طبيعة المنازعة، حيث
كثيراً ما يجد المحكم نفسه مطالباً بالبحث في فروع مختلفة للقانون لتشعب المشاكل
التي تثيرها عقود الاستثمار.
بالإضافة إلى ما تقدم فإن منازعات عقود
الاستثمار قد تتعلق بمشاكل فنية بالغة التعقيد تتطلب تخصصات نادرة لحسمها، كأن تتعلق
بالنواحي الفنية لاستغلال الحقل أو معدل الإنتاج في عقود البترول، أو بمشاكل
هندسية بحتة تتعلق بكفاءة المنشآت في عقود الأشغال، أو بمشاكل في المحاسبات
المالية أو بنوعية التكنولوجيا المستخدمة في إنشاء مصنع ما في عقود التعاون
الصناعي. ومن ثم يكون من الأوفق أن تضم الهيئة بقدر الإمكان التخصصات المطلوبة
لتتعدد فيها الخبرات اللازمة لحسم النزاع([38])،
فقد تدعو الحاجة إلى أن تضم هيئة التحكيم خبراء ومهندسين.
لذلك نجد العديد من عقود الاستثمار
الحديثة تنص على السماح بما يمكن تسميته باسم التحكيم الفني Technical
Arbitrationوذلك
بالنسبة للأمور التي تتطلب تدخل خبير فني([39])،
فتحقيقاً لهدف تجنب أية خلافات حول تحديد سعر السوق بالنسبة للنفط أو الزيت الخام
المنتج عن فترة معينة، فإن المادة السابعة من عقد الامتياز المبرم بين الحكومة
المصرية العامة للبترول وشركة SA .AM للبترول والغاز تضفي تعيين محكم ذو سمعة
وخبرة جيدتين في مجال صناعة البترول، وذلك للاستفادة منه فيما يتعلق بتسعير وتسويق
الزيت الخام في التجارة الدولية، ومهمة هذا المحكم هي إصدار الحكم أو القرار الخاص
بالسعر، وذلك بعد منحه حق الإطلاع على عقود بيع الزيت الخام وما يرتبط بها من
بيانات وذلك من قبل الأطراف المعنية والجهات والشركات التابعة لهم([40]).
ولكن يجب مع ذلك توافر العنصر القانوني المناسب في تشكيل هيئة التحكيم، والذي
تتوافر لديه الخبرة والخلفية الكافية في مثل منازعات هذه العقود، بل إنه من الأفضل
أن يترأس هيئة التحكيم أحد رجال القانون حتى يضمن سلامة الإجراءات وسلامة الحكم من
الناحية القانونية([41]).
وفي ضوء ما تقدم فإننا نؤيد ما ذهب إليه
البعض([42])
من وجوب عدم التسرع في وضع الشروط الواجب توافرها في المحكمين في اتفاق التحكيم
قبل قيام المنازعة، وذلك حتى يتسنى اختيار المحكمين المناسبين للمنازعة بعد قيامها
وعلى النحو الذي يناسب طبيعتها.
ثالثاُ-
أهمية الالتزام بسرية إجراءات التحكيم في منازعات عقود الاستثمار:
يعتبر الحفاظ على السرية في الإجراءات
مبدأً أساسياً من مبادىء التحكيم، وإحدى المزايا التي من أجلها يلجأ المتنازعون
إلى التحكيم في حسم منازعاتهم. فميزة السرية التي تغلف التحكيم تعد أحد العناصر
الطبيعية المكونة لهذا النظام والذي لا تقوم له قائمة بدونها. وهذه الميزة هي التي
تدفع الأفراد إلى اختياره كوسيلة لحل المنازعات بينهم. فالتحكيم ليس مجرد قضاء خاص
ولكنه علاوة على ذلك قضاء يتم في سرية([43]).
وتزداد أهمية سرية إجراءات التحكيم في
منازعات عقود الاستثمار عن أهميتها بالنسبة لإجراءات التحكيم فيما عداها من
منازعات، وذلك لما يترتب على هذه العقود من آثار سياسية واقتصادية كبيرة تؤثر في
مصالح الدول وكذلك الشركات الكبرى القائمة بالاستثمار، نظراً لحساسية المعلومات
والوثائق والأسرار المرتبطة بإبرام هذه العقود.
لذلك لا تحبذ الأطراف في عقود الاستثمار
أن تكون النزاعات فيما بينها متاحاً للكافة الإطلاع عليها، إذ تكون العلانية ضارة
بالنسبة لها. فإذا كنا بصدد عقد من عقود البترول مثلاً، فإن حساسية المعلومات التي
لا يحتفظ بسريتها والتي تتعلق بمستوى إنتاج حقل أو تدفق إنتاجيته قد تؤدي إلى
أزمات أو اضطرابات سياسية أو اقتصادية، أو تؤدي إلى اضطراب أسعار البترول في
الأسواق العالمية. أو كنا بصدد عقد من عقود التعاون الصناعي، فإن عدم مراعاة
السرية قد تؤدي إلى تسرب الأسرار التكنولوجية المستخدمة في هذه العقود إلى الغير.
ويرى البعض أن الالتزام بالسرية يقوم على
طبيعة التحكيم باعتباره وسيلة خاصة لحسم المنازعات، وأنه يكون التزاماً ضمنياً بين
الأطراف، وأنه في ضوء القبول العام له يمكن النظر إليه على أنه قاعدة عرفية في قضايا
التحكيم([44]).
حيث تفرض أخلاقيات التحكيم على المحكم الالتزام بالسرية([45]).
وعلى الرغم من ذلك فإنه من الملاحظ في
السنوات الأخيرة صدور عدد من الأحكام القضائية التي قامت بمناقشة الأساس القانوني
الذي تقوم عليه قاعدة سرية إجراءات التحكيم بوجه عام.
فقد طعنت المحكمة العليا الاسترالية في
حكمها الصادر في 7 ابريل 1995 في قضية Esso
Australia Resources Ltd. Et al.v. Ministry of Energy and Mineral Plowman
في صحة هذا المبدأ. حيث ذكرت المحكمة أن التزام السرية يخضع لما تتطلبه وما تقتضيه
شئون المصالح العليا، وأنه ليس هناك ما يبرر فرض التزام السرية على الإجراءات
والمستندات والمعلومات التي يدلي بها الأطراف في تحكيم خاص([46]).
كذلك فقد سلكت نفس الاتجاه المحكمة
العليا في استوكهولم، حيث انتهت في حكمها الصادر في 27 أكتوبر 2000 في قضية Bulbank
Case إلى رفض الالتزام بالسرية إلا إذا اتفق الأطراف عليها. ووجدت
المحكمة أنه لا يوجد أي أساس قانوني للالتزام بالسرية إلا إذا اتفق الأطراف عليها،
وأضافت المحكمة أن التحكيم ذو طبيعة خاصة وأن غاية ما تقتضيه تلك الطبيعة أن تتم
إجراءاته ومرافعاته في خصوصية لا يتم السماح معها للغير باقتحامها([47]).
ولا شك لدينا في أن مثل هذا المسلك الذي
اتبعه القضاء المتقدم لا يعبر عن اتجاه عام في هذا الصدد فهو يمثل بوضوح انحرافاً
عن الأفكار التقليدية المتعلقة بالتحكيم، حيث أن عنصر السرية يعتبر واحداً من أهم
أسباب اختيار الأطراف للتحكيم كأسلوب لتسوية منازعاتهم، مما يقتضي معه في اعتقادنا
احترام التوقعات المشروعة للأطراف بالتزام السرية في التحكيم عندما اتفقوا عليه
لتسوية منازعاتهم. فقد أعلنت محكمة استئناف باريس في حكمه
الصادر في 18 فبراير 1986 انه: " مما يتمشى مع طبيعة التحكيم وإجراءاته ضمان
سرية حل المنازعات ذات الطابع الخاص وهو ما يستجيب لاتفاق الأطراف المتنازعة
"([48]).
EL-Kosheri ( A.
S. ) : The Particularity of the Conflict Avoidance Methods Pertaining to
Petroleum Agreements, Op.Cit, p. 280-281.
(2) أسست محكمة التحكيم
الدولي التابعة لغرفة التجارة الدولية ومقرها في باريس عام 1923 حيث تعتبر إحدى
المنظمات الرائدة في مجال التحكيم الدولي. وتعقد تحكيمات غرفة التجارة الدولية في
حوالي 35 دولة مختلفة كل عام. ولا تعتبر محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية محكمة
بالمعنى المفهوم. ويتم تعيين المحكمين لكل قضية على حدة طبقاً للموضوع الذي تمت
إحالته للتحكيم بموجب قواعد غرفة التجارة الدولية. ويكون دور أعضاء المحكمة البالغ
عددهم 80 عضواً أو يزيد من 70 دولة مختلفة مراقبة العملية التحكيمية والإشراف
عليها. وهناك دور فريد وهام لمحكمة التحكيم يتمثل في المراجعة والتصديق على أحكام
التحكيم المقدمة من المحكمين في شكل مسودات أحكام. وتعتبر آلية مراقبة الجودة
العنصر الرئيسي في نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية. وخلال عام 2000 وحده أدارت
محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية حوالي 550 قضية جديدة تتضمن أطرافاً من حوالي
مائة دولة. وقد تم تعديل نظام التحكيم لدى الغرفة أكثر من مرة، وأحدث تعديل لهذا
النظام هو الساري منذ الأول من يناير 1998 أنظر:
(4) أسست جمعية التحكيم
الأمريكية عام 1926 وهي تعد من أكبر منظمات التحكيم في العالم بالنظر إلى عدد
القضايا التي تشرف عليها، وهي منظمة غير حكومية وتدير دعاوى التحكيم من أنواع
مختلفة مثل منازعات العمل وبراءات الاختراع ومنازعات عقود الإنشاءات وغيرها من
المنازعات التجارية. وفي عام 1996 أسست جمعية التحكيم الأمريكية المركز الدولي
لحسم المنازعات وذلك بمدينة نيويورك، حيث يتولى ذلك المركز حالياً إدارة جميع
القضايا الدولية لجمعية التحكيم الأمريكية. لمزيد من التفصيل أنظر: د. محمود سمير
الشرقاوي: منظمات التجارة الدولية والتمويل الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة،
1997، ص141 وما بعدها.
(5) أسس مركز القاهرة
الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي عام 1978 تحت رعاية المنظمة الاستشارية القانونية
لدول آسيا وأفريقيا بمساعدة حكومة جمهورية مصر العربية. والنشاط الرئيسي للمركز هو
إدارة قضايا التحكيم المحلية والدولية. وخلال عام 2002 وأوائل عام 2003 بلغ عدد
القضايا الجديدة التي أحيلت إلى المركز ما يربو على 62 قضية ليصل العدد الإجمالي
للقضايا التي نظرها المركز إلى 346 قضية. وقد تعلقت هذه القضايا بمنازعات الإنشاءات،
وإدارة الفنادق، وعقود برمج الحاسب، وعقود البترول، وعقود التأمين، وحقوق الملكية
الفكرية وغيرها. ولمزيد من التفصيل أنظر: مجلة الحكيم العربي، العدد السادس، أغسطس
2003، ص183.
EL-Kosheri
( A. S. ) : The Particularity of the Conflict Avoidance Methods Pertaining to
Petroleum Agreements, Op.Cit, p. 285.
EL-Kosheri
( A. S. ) : The Particularity of the Conflict Avoidance Methods Pertaining to
Petroleum Agreements, Op.Cit, p. 285.
Sanders (P) : Quo Vadis Arbitration ? Sixty Years of Arbitration
Practice, A comparative Study, Kluwer Law International, 1999, pp. 4-6.
0 التعليقات:
إرسال تعليق