أسم الطالــــب: باسل
أحمد عبد المحسن محمد لطفي.
عنوان الرســـالة: دور
القاضي المستعجل في وقف الاعتداءات الجنائية" دراسة مقارنة"
الدرجــــــة: الدكتوراه.
المشرف على الرسالة:
الأستاذ الدكتور/ جميل عبد الباقي الصغير، أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق،
جامعة عين شمس، ووكيل الكلية لشئون الدراسات العليا.
مقدمة
تنال فكرة القضاء اهتمام الفقه الحديث باعتباره الوسيلة الإجرائية الفعالة
لحماية النظام القانوني الذي يقوم عليه المجتمع، لذا تولى الشارع تنظيم هذه
الوسيلة لتفعيل تطبيق أحكام القانون، وتحقيق التوازن الاجتماعي بين المصالح
المتعارضة داخل المجتمع. وتتنوع صور الحماية القضائية تبعاً للعوارض التي تطرأ على
سير النظام القانوني، وهذا يعني تعدد واختلاف أعمال القضاء، حيث يمثل كل عمل صورة
من صور الحماية القضائية، ويؤدى دوراً متميزاً في حماية النظام القانوني. ومن ثم
تختلف أعمال القضاء من حيث طبيعتها باختلاف العارض القانوني الذي تتجه لإزالته، وبالتالي
اختلاف دوره. فوظيفة القضاء الموضوعي إزالة تجهيل المراكز القانونية، والتنفيذ القضائي
يواجه مخالفة القانون، و القضاء المستعجل يسعى للوقاية من خطر التأخير عن طريق اتخاذ
إجراءات وقتية حالة وجود خطر داهم، فضلا عن ضرورة توافر الاستعجال. أما القضاء الولائي
فيعالج القصور القانوني، بمعنى أنه يتدخل لمعالجة قصور وعجز الإرادة عن طريق تعيين
نائب عنها، ومن هذا القبيل تعيين الوصي والقيم اللذين يباشران سلطاتهما تحت إشراف
ورقابة القضاء ([1]).
وإذا كان القضاء الموضوعي - باعتباره الصورة الأولى للحماية القضائية - يقوم بدور قانوني هام، لأنه
يستخلص من أحكامه اليقين القانوني، لذا تتصف أحكامه دائما بحجية الشيء المقضي به، وإذا
تحصنت بحكم صادر من محكمة الدرجة الثانية، انقلبت هذه الحجية إلى قوة الشيء
المحكوم به ([2])، فان اللجوء إليه يتطلب دوما وقتا
ليس بالقليل، وذلك لطول إجراءات الإعلان والتكليف بالحضور وإجراءات الإثبات الخاصة
به، وما يلازمها من مواعيد تتسلسل في ترتيب منظومي، يراعى فيه أن يتاح للخصوم
الوقت الكافي لإبداء دفاعهم وعرض وجهات نظرهم، الأمر الذي كشف معه الفقه الإجرائي
الحديث عن وجود صورة ثالثة للحماية القضائية بجانب القضاء الموضوعي والتنفيذ القضائي،
وهى الحماية القضائية المستعجلة، ليكون الغرض منها مواجهة بطء الحماية الموضوعية
المقررة للحق إحدى مشاكل الحياة القانونية ([3]). فالقضاء المستعجل منوط به إسعاف صاحب
الحق بأحكام سريعة قابلة للتنفيذ الجبري، تصدر لمنع خطر داهم لا يمكن تداركه إذا
أوكل نظر الموضوع للمحاكم الموضوعية فحسب. ويكون ذلك عن طريق تدابير وقتية، شريطة
عدم المساس بأصل الحق ([4])، بمعنى أن الشارع منح القضاء
المستعجل اختصاصا نوعيا بنوع معين من المنازعات ([5]).
وهذا
القضاء - وإن كان العمل حصر اختصاصه بالمسائل المدنية فقط، إلا أنه وتحقيقا للغاية
منه باعتباره يدخل ضمن منظومة القوانين الإجرائية التي من ضمن أهدفها ضمان نفاذ
القوانين الموضوعية، فإنه يمكن أن يكون له دور عندما يشكل الاعتداء على الحق جريمة
جنائية.
الطبيعة الإجرائية للقضاء المستعجل: عنى الشارع بإدراج القضاء المستعجل
وبيان اختصاصاته بقانون المرافعات المدنية والتجارية ([6])، الذي يعد أول وأقدم القوانين الإجرائية،
وكانت الغاية منه ضمان نفاذ القانون الموضوعي. لذا فهو يبين كل ما يتعلق بالقضاء
والتقاضي من أصول وأوضاع مثل كافة القوانين الإجرائية الخادمة للقوانين الموضوعية ([7]). فهدفها ومرماها حسن نفاذ وظيفة مخدومها
لأنها لا تحكم علاقة خاصة أو عامة، وإنما تنظم وسائل الحماية القضائية للحق. فهي
قوانين الوسائل وليست قوانين الغايات. والغاية تؤثر في الوسيلة مضمونا واتجاها.
أنواع القوانين الإجرائية: ينقسم القانون
الإجرائي إلى قانون المرافعات، وقانون الإجراءات الجنائية، وقد تكفل القانون الأخير
بتنظيم نشاط السلطات العامة في الدولة إزاء الجرائم، وإجراءات سير الدعوى العمومية
وصولا للقضاء بحكم بات في موضوعها، وكيفية تنفيذ هذا الحكم. وترتيبا على ذلك يمتنع
على المحاكم الجنائية تطبيق قواعد قانون المرافعات على الدعاوى المنظورة أمامها
سواء أكانت جنائية أم مدنية ([8])،
وتنسحب هذه القاعدة على القضاء الإداري، لأن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي استقلال
وذاتية كل قانون إجرائي. ومقتضى هذه الذاتية حصر تطبيق أحكام كل قانون إجرائي على
المجال الخاص به، ويمتنع تطبيقه خارج حدود هذا المجال، وهذه قاعدة أساسية.
علاقة قانون المرافعات ([9]) بالقوانين الإجرائية الأخرى: يعتبر قانون المرافعات المدنية
والتجارية الشريعة العامة لكافة القوانين الإجرائية، وذلك بحكم أسبقيته التاريخية،
إذ إنه يتضمن العديد من القواعد التي ترقى إلى مصاف المبادئ الأساسية التي تحكم
القضاء أيا كان نوعه، كالقواعد المتعلقة بالإعلان القضائي، وباستقلال القضاء
وحياده، وحقوق الدفاع في كافه وجوهه ومناحيه المختلفة. ومما لا شك فيه أن هذه المبادئ
تعتبر القواعد العامة للنظام الإجرائي، و بهذه الصفة فإن مجال تطبيقها يعم ليشمل
كافة أنواع القضاء. وبالتالي يكون مناط تطبيق القاعدة الواردة بقانون المرافعات
على أي نوع من أنواع القضاء الأخرى هو في تحديد طبيعتها هل هي قاعدة خاصة بالقضاء
المدني، فينحصر تطبيقها في هذا القضاء دون غيره، أم أنها قاعدة عامة تسري على
القضاء بعمومه. فمن المسلم به أن القاعدة تكون عامة إذا لم يوجد نص خاص في
القوانين الإجرائية الأخرى يستبعد تطبيقها صراحة أو ضمنا، وحيث لا يتعارض التطبيق
مع الطبيعة الخاصة لكل قضاء على حده ([10]).
وتترتب على القاعدة المتقدمة
نتيجتان أساسيتان: النتيجة الأولى، أن قانون المرافعات يسد النقص الوارد في
القوانين الإجرائية الأخرى، فعند عدم وجود نص في تلك القوانين وفي هذا الإطار يصدق
القول بأن قانون المرافعات يشكل الشريعة العامة الواجبة التطبيق على القضاء أيا
كان نوعه، حال تخلف النصوص. والنتيجة الثانية، أنه إذا وجدت إحالة على
قانون المرافعات لكي يطبق على نوع أخر من أنواع القضاء، فإنه لا يطبق من قواعده
إلا القواعد العامة التي لا تتعارض مع الطبيعة الخاصة بهذا القضاء، ولا يستثنى من
هذه القاعدة إلا في الحالات التي ترد فيها إرادة تشريعية صريحة بعدم تطبيق نصوصه،
ويؤكد ذلك أن هناك أحوالا استثنائية يطبق فيها قانون المرافعات أمام المحاكم
الجنائية، منها الإحالة بنص صريح ([11])،
وكذلك في حالة وجود نقص في قانون الإجراءات الجنائية، فيلتزم القاضي أن يولي وجهه
شطر قانون المرافعات لسد هذا النقص، غير أن ذلك مشروط بشرطين: الشرط الأول،
مراعاة الصفة العامة لذلك القانون ومدى صلاحية قواعده للتطبيق على القضاء الجنائي([12])،
والشرط الثاني، هو عدم التعارض مع المبادئ العامة للإجراءات الجنائية ([13]).
تطور
القضاء المستعجل: مع تطور الأمور الاقتصادية والمالية والتجارية، أصبحت فكرة المساس
بأصل الحق أكثر مرونة، فلم تعد عبئا يمنع القاضي المستعجل من تقرير الحماية المطلوبة، لذا عني
الشارع بإفساح المجال لتقدير هذه الحماية مع التضييق من تلك الفكرة. فقد ينص
القانون على اختصاص القضاء المستعجل بمسألة معينة دون التقيد بفكرة عدم المساس
بأصل الحق، وذلك بنصوص خاصة ([14])، بما يدل
على أن الشارع منحه الاختصاص بنظر مسألة بالذات، وبمقتضى نص خاص، مما يكشف عن
الرغبة في التضييق من فكرة المساس بأصل الحق، والاستفادة من طبيعة هذا القضاء
المستعجلة في حماية الحقوق من الخطر([15]) الحال
الوقوع.
المشكلات التي يثيرها موضوع البحث: شبكة الإنترنت أصبحت متغلغلة في
كافة المجالات، مما أصبح معه القانون العقابي قاصرا عن مواجهة الجرائم التي ترتكب
عبرها، لأن بعض عناصرها قد يتحقق على إقليم الدولة، والبعض الآخر منها قد يقع خارج
الإقليم، مما يصعب معه تحديد مكان وزمان ارتكاب الفعل المؤدي للنتيجة الإجرامية
المؤثمة، أو حتى اكتشاف الفاعل في بعض الأحيان، وكل ما توصلت إليه التقنية حتى
الآن هو تحديد مصدر الحاسب الآلي وذلك عن طريق مزود الخدمة، وبالتالي فلابد من
البحث عن وسائل أخرى مكملة للجزاءات الجنائية -في حالة وجودها- لحماية المعلومات
والملكية الفنية والأدبية، ووقف مخاطر الاعتداء عليها، وهذه الوسيلة تكون عن طريق
القاضي المستعجل، وهو الأمر الذي يتطلب هدم الاعتقاد المسيطر على المشتغلين
بالقانون، بأن ما يختص به القضاء الجنائي، يمتنع على القضاء المستعجل التعرض له، وهذا
القول في الواقع يصدق على حالة طلب الحماية الموضوعية. ولكن إذا كانت الحماية
المطلوبة وقتيه، لا تؤثر على الدعوى الجنائية، فإن واقع الحال وما حملته المدونة
القانونية يشير إلى أنه ليس هناك مانع من تقريرها بواسطة القاضي المستعجل، وهو ما
سننتهي إليه. ولا يغير من هذا النظر عدم وجود ضمانات لتنفيذ حكم القاضي المستعجل باعتباره
قضاء يتوقف تنفيذه على الملتزم بالسند التنفيذي (إرادة المدين)، لأنه من الممكن
التعديل في النصوص القانونية الخاصة بالغرامة التهديدية، والإكراه البدني حتى تكون
ملائمة للتطور.
موضوع
البحث وأهميته: يتضح من العرض السابق أهمية هذا البحث، وغايته في إبراز دور القاضي
المستعجل في وقف الاعتداءات الجنائية. بمعنى بسط حمايته المستعجلة على الحقوق التي
يشكل الاعتداء عليها جريمة جنائية وفق المدونة العقابية، وأن انتمائه لقانون
المرافعات المدنية والتجارية لا يحول بينه وبين القيام بهذا الدور.
منهج البحث: في ظل انتشار الجرائم الإلكترونية
وعجز القوانين الجنائية عن تحقيق حماية للمجني عليه، ازدادت أهمية الحماية
الوقتية، وأصبحت مبررات فرضها، تتسع لتستطيل الاعتداءات الجنائية، الأمر الذي
تنبهت له معظم التشريعات المقارنة، لذا فقد تعمد الباحث الكشف عن دور جديد للقاضي المستعجل في وقف الاعتداءات
الجنائية على الحق في الخصوصية، حماية وقتية مستعجلة.
ونظراً لخصوصية الموضوع وأهميته في الوقت الحاضر، وتشعب القضايا التي
يثيرها، فلقد انتهج الباحث أسلوب الدراسة المقارنة، التحليلية، التطبيقية، مع
التشريع الفرنسي الذي كانت له خطوات واسعة بحكم التقدم التكنولوجي، وقد كان للتشريع
الأمريكي أيضاً نصيباً وافراً من هذه الدراسة،
وذلك حتى نكشف تجارب هذه الدول المتقدمة، ونضعها تحت بصر الشارع المصري،
وفقهاء القانون، للوقوف على مواضع الخلل في التطبيق القانوني السليم، وكيفيه
معالجته، أسوة بمشرعي بعض الدول العربية.
ولم نكتف بسرد نصوص التشريعات المقارنة، بل تتبعنا هذه النصوص، وأخضعناها
للدراسة والتحليل التفصيلي، واستخلصنا منها النتائج والمقترحات. وقد راعينا
الإبتعاد- قدر المستطاع- عن المناقشات الفقهية، حتى تكون الدراسة هادفة، مطابقة
للواقع العملي، وقد اهتم البحث بدراسة الأحكام القضائية القديمة والحديثة ذات
الصلة، حتى تكون الدراسة تطبيقية معبرة عن الواقع.
تقسيم: في ضوء ما تقدم تقتضى هذه الدراسة تبيان الأفعال التي
تشكل اعتداءً جنائياً على الحقوق، وماهيته وعناصره ومحله، والسبل القانونية
الموضوعية لحماية هذه الحقوق، ومدى قصورها في بسط الحماية الوقتية، ومدي إمكانية
تحقيق هذه الحماية عن طريق القضاء المستعجل على أن يكون ذلك في بابين مسبوقين
بمبحث تمهدي عن مدلول الجريمة:
نخصص (الباب الأول)، للحديث عن الاعتداء الجنائي
الإلكتروني، ونتناول في (الباب الثاني)، وقف الاعتداء الجنائي الالكتروني عن طريق
القاضي المستعجل، بعد عرض دور النيابة العامة والقضاء الجنائي في حماية الحق،
لإبراز أن القواعد الإجرائية المنظمة لعملهما، لا تمكنهما من توفير الحماية
الوقتية للمجني عليه.
(1) قد يتدخل عن طريق التصديق على الأعمال التي يكون من أطرافها
صاحب الإرادة القاصرة، مثل حكم التبني، إرساء المزاد، فلا تقوم هذه الأعمال، ولا
تنتج آثارها إلا بعد إقرارها والتصديق عليها من القضاء، حيث يطلق عليها أعمال
تصديق وإجازة. وفي طائفة ثالثة من الحالات يتم التدخل القضائي عن طريق الإذن
المسبق لصاحب الإرادة القاصرة، أو لمن يمثله بمباشرة بعض الأعمال والتصرفات,
للمزيد، يراجع د/احمد ماهر زغلول، أصول وقواعد المرافعات، دار النهضة العربية،
طبعة2001، ص1029، وما بعدها .
(2)
د/وجدي راغب، مبادئ القضاء المدني، دار النهضة العربية، طبعة2001، ص52، وقد نصت
المادة (101) من قانون الإثبات المصري"
على أن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق , و
لا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجة , ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع
بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم بذات الحق محلا وسببا .وتقضى المحكمة لهذه
الحجية من تلقاء نفسها" .
(4) يراجع نص
المادة (109) من قانون المرافعات المصري، حيث جرى نصها على أن" الدفع بعدم اختصاص المحكمة لانتفاء ولايتها،
أو بسبب نوع الدعوى، أو قيمتها، تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها, ويجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى" . ويبين هنا
أن المشرع ساوى بين الاختصاص النوعي، والاختصاص القيمي، ومنع مخالفتهما، أو
الاتفاق على ذلك، لتعلق الأمر بالنظام العام".
(1) تنص المادة (45) من قانون المرافعات على أنه
" يندب في مقر المحكمة الابتدائية قاض
من قضاتها ليحكم بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بالحق في المسائل المستعجلة التي يخشى
عليها من فوات الوقت. أما في خارج دائرة المدينة التي بها مقر المحكمة الابتدائية
فيكون هذا الاختصاص لمحكمة المواد الجزئية. على أن هذا لا يمنع من اختصاص محكمة
الموضوع أيضا بهذه المسائل إذا رفعت لها بطريق التبعية".
(1) جرى نص المادة (266) من قانون الإجراءات
الجنائية على أنه" يتبع في الفصل في الدعوى
المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة بهذا القانون من أنه
يتبع في الفصل في الدعاوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات
المقررة في القانون المذكور"، بما مؤداه أن الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي،
تخضع للقواعد الواردة في مجموعة الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالمحاكمة،
والأحكام، وطرق الطعن فيها، ما دام يوجد في مجموعة الإجراءات الجنائية نصوص خاصة
بذلك، أما إذا لم يوجد نص في قانون الإجراءات الجنائية، فليس هناك ما يمنع من
إعمال نص قانون المرافعات، يراجع، الفقرة رقم 1 من الطعن رقم 175 لسنـة 26 ق، جلسة
16 / 04 / 1956 مكتب فني 7، ص 56.
(2) انتقدت تسمية قانون
المرافعات لما يشوبها من إبهام، وقصور، في الدلالة على مضمون هذا القانون, ففي
اللغة الدارجة، فإن لفظ المرافعات، إنما يعني ما يبديه الخصوم أو ممثليهم من أقوال
أمام القاضي أو المحكمة لشرح وتأييد دعواهم, وهو يعجز بالتالي عن الإحاطة بكافة
موضوعات القانون المنظم للقضاء، والدلالة عليها، ولقد اقترحت في هذا الصدد تسميات
عديدة، منها قانون الإجراءات المدنية، وهي التسمية=
= التي اعتمدها الشارع الفرنسي، بحيث أطلق عليها قواعد تنظيم القضاء المدني،
أو القانون القضائي، أوالقانون القضائي الخاص، وهذه التسميات جميعها، يصدق بشأنها
ما يصادف تسمية المرافعات من انتقاد، فتسمية قانون الإجراءات المدنية، يشوبها
القصور، لأنها لا تدل على الوجوه الأخرى للتنظيم القضائي، وينسحب ذلك أيضا على
تسمية الخصومة المدنية, أما بالنسبة لتسمية القانون القضائي الخاص، فهي تثير في
الذهن اختلاطا بنظام القضاء الخاص الذي لا تتولاه الدولة، وإنما يمارسه الأفراد,
وإذا كانت تسمية قانون القضاء المدني تتفادى هذه الانتقادات, فإنه يؤخذ عليها أنها
تعطي انطباعا بانحصاره في مسائل القانون المدني فقط، دون غيرها من المسائل. يراجع
د /أحمد ماهر زغلول، المرجع السابق، ص17، حيث يرى ـ وبحق ـ البقاء على تسميته قانون المرافعات، لأنها= = هي التسمية المتداولة التي راجت، وتوطدت، في
الأذهان، ويراجع أيضا في تأييد هذا الرأي، د/ أمينة النمر، قوانين المرافعات،
الكتاب الأول، بدون ناشر، طبعة1982،ص6.
(1) د/ وجدي راغب، قانون القضاء
المدني، المرجع السابق ص12ـ وعكس ذلك، يرى البعض أنه لا يجوز تطبيق حكم أوجبه
قانون المرافعات على الدعاوى المنظورة أمام المحاكم الجنائية، طالما أن قانون الإجراءات
الجنائية، لم يوجب هذا الحكم بإدعاء أن القانون الأخير ليس به نص يتعارض مع ما جاء
في قانون المرافعات, لأن القول بتطبيق قانون المرافعات على الدعوى الجنائية مالم
يكن يوجد بها نص، يعارض قانون الإجراءات الجنائية، فالأصل هو تطبيق قانون
المرافعات ما لم يوجد به نص في قانون الإجراءات، ويستثنى من هذه القاعدة بنص معارض,
وهو ما لم يقل به أحد، ولا يوجد نص بقانون الإجراءات بذلك, إذ أنه يكفي أن يكون
المشرع الجنائي قد نظم موضوعا معينا حتى يستبعد نصوص قانون المرافعات. انظر د/عبد
الرؤوف مهدي، شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية، طبعة 2007، مكتبة رجال
القضاء، ص123، وما بعدها .
(2) ومن أمثلة هذه القاعدة أن قانون الإجراءات خلا من تنظيم
مواعيد التكليف بالحضور، فينبغي هنا، الرجوع إلى ما نصت عليه المادة (15) من قانون
المرافعات، والتي جرى نصها على أنه " إذا عين القانون للحضور أو لحصول الإجراء ميعادا مقدرا بالأيام أو الشهور
أو السنين فلا يحسب منه يوم الإعلان أو حدوث الأمر المعتبر في نظر القانون مجريا
للميعاد ، أما إذا كان الميعاد مما يجب انقضاؤه قبل الإجراء فلا يجوز حصول الإجراء
إلا بعد انقضاء اليوم الأخير من الميعاد. وينقضي الميعاد بانقضاء اليوم الأخير منه
إذا كان ظرفا يجب أن يحصل فيه الإجراء .وإذا كان الميعاد مقدرا بالساعات على الوجه
المتقدم .وتحسب المواعيد المعينة بالشهر أو بالسنة بالتقويم الشمسي ما لم ينص
القانون على غير ذلك ..."
(3) ومن هذا القبيل، ما نصت عليه المادة (79) من قانون
المرافعات، من أن " كل ما يقرره الوكيل بحضور موكله، يكون
بمثابة ما يقرره الموكل نفسه، إلا إذا نفاه أثناء نظر القضية في الجلسة، والمادة (211)
مرافعات التي جرى نصها على أنه"
لا يجوز الطعن في الأحكام إلا من المحكوم
عليه، ولا يجوز ممن قبل الحكم أو ممن قضى له بكل طلباته = =مالم ينص القانون على غير ذلك".
(1) ومن هذا القبيل، ما كان ينص عليه قانون العمل الملغي، رقم (137) لسنة1981،
من أحقية العامل المفصول فصلا تعسفيا في اللجوء للقاضي الجزئي ليحكم بصفة مستعجلة
في موضوع مدى صحة فصل العامل من عدمه، وهل هذا الفصل تعسفي، أم شرعي، لارتكاب
العامل مخالفة تستوجب ذلك، فمتى طرحت على المحكمة المستعجلة الدعوى بطلب وقف قرار
الفصل، وقد استبان للقاضي من ظاهر المستندات، أن طلب المدعي يقوم على سند من الجد،
وأن الدعوى الموضوعية محتملة الكسب، كأن يستند مثلا إلى أن الفصل كان بسبب واقعة
ثبت للمحكمة من ظاهر المستندات أنها ملفقة، أو راجحة التلفيق، فللقاضي هنا إلغاء
قرار الفصل أو رفض الطلب على حسب الأحوال، دون أن يقضي بعدم اختصاصه، بحجة أن
الحكم هنا يمس بأصل الحق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق